دراسة علمية تُشير إلى أن الأرض تواجه ثانى أكبر كارثة فى الإحترار المناخى طوال تاريخها

مقالة:- كريس مونى
ترجمة:- ممدوح شلبى
 
 


إذا تعمقت كثيراً فى تصفح أرشيف التغييرات المناخية، فسوف تسمع عن مصطلح "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، وعندئذ سترتعب.
حدثت هذه الفترة المناخية منذ 56 مليون عاماً، حيث حدث شيئ غامض – وتوجد تفسيرات شتى لما حدث – فثمة تكثيف لغاز ثانى أكسيد الكربون حدث فى الأتموسفير وكان عالياً جداً عما نشهده الآن.
دخل كوكب الأرض فى حالة إحترار سريعة، بالمصطلح الجيولوجى، وماتت بعض الكائنات البحرية من تأثير إرتفاع الدرجة الحمضية للمحيطات.
السبب فى هذه الذروة الحرارية لهذا العصر الجيولوجى كان محل نقاش علمى موسع، ويعتقد البعض أن تفاقم الكربون جاء من إنحلاله من ذوبان جليد القطب الشمالى، والبعض الآخر يعتقد أنه نتيجة لإنطلاق غاز الميثان من المحيطات ووصوله إلى الأتموسفير – وأن سلسلة من الأحداث ربما حدثت بسبب تفجرات بركانية مهولة.
وعلى أيه حال، فالنتيجة كانت عالم حار، حيث سجلت درجات الحرارة إرتفاعاً وصل إلى خمس درجات مئوية أعلى من معدلها، لكننا الآن، وكما يشير بحث علمى جديد، فإن تراجيديا الذروة الحرارية لهذا العصر الجيولوجى تنطبق على عصرنا الحالى، فنحن نُطلق الكربون فى الغلاف الجوى بمعدل أكبر مما حدث فى هذا العصر القديم.
هذه هى الخلاصة التى توصلت إليها دراسة جديدة منشورة فى مجلة "ناتشر جيوساينس" التى ترأس فريق الباحثين فيها، ريتشارد زيب من جامعة هاواى فى مانوا، وضمت عدداً من زملاءه من جامعة بريستول فى المملكة المتحدة وجامعة كاليفورنيا – ريفرسايد.
"إذا ألقيت نظرة على كل الأرشيف المناخى على مدى ال 66 مليون سنة الأخيرة، فالحدث الوحيد الذى نعرفه منها حتى الآن والذى تميز بإنطلاق كمية هائلة من الكربون، وحدث هذا فى فترة قصيرة من الوقت كان "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، هكذا قال زيب. "يجب علينا فعلاً أن نعود إلى مراحل زمنية ذات صلة، لأننا ولمدة طويلة لم نكن نعرف أى شيئ عما حدث بما يجعلنا قادرين على مقارنته بما يفعله الإنسان فى الوقت الحالى.
والسبب أن هذه الفترة شديدة الأهمية بالنسبة لنا ويجب دراستها – كما لو كانت نافذة تكشف عن عصرنا الحالى.
لا شك أن الكثير من الكربون – مثل الكريون الذى يحتويه الوقود الأحفورى والذى أحرقه الإنسان فعلاً أو الذى سيحرقه – هذا الكثير من الكربون إتخذ طريقه إلى الغلاف الجوى خلال "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، وكانت النتيجة حدوث إحترار هائل دام أكثر من 100 ألف سنة، لكن كيف حدثت الإنبعاثات فى هذا العصر فهذا أمر آخر.
"إذا لم تتوازن معدلات الإنبعاثات التى يتسبب عنها الإنسان فى التاريخ الحديث لكوكب الأرض، فثمة رد فعل سيحدث لاحقاً فيما يتعلق بمنظومة المناخ"، هكذا كتب المؤلف.
ولكى نحلل ما حدث فى "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، فإن العلماء إستخدموا رواسب منطقة عميقة فى المحيط بالقرب من ساحل نيو جيرسى، الهدف كان أن يحددوا الفرق بين المستويات الإشعاعية لنظائر مختلفة، أو تحديد تكوينات من العناصر المختلفة للكربون والأوكسجين فى هذه الرواسب أثناء "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين".
العلاقة بين الإثنين أتاحت للعلماء تحديد مستويات غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، مثلما هو منعكس فى إشعاع كربون 12 وكربون 13، متأثراً بدرجات الحرارة التى يمكن الإستدلال عليها إعتماداً على نظائر الأوكسجين فى المحيط.
" وبخصوص هذين النظامين، يُظهر لنا النظام الأول عندما دخل الكربون فى النظام والثانى يُخبرنا متى يكون الرد المناخى" هكذا قال زيب.
وإتضح أن هناك فارقاً زمنياً بين الإضافات الكبيرة للكربون فى الغلاف الجوى وما يتبعه من إرتفاع درجات الحرارة لأن المحيطات تتميز بأن لها قدرة كبيرة على الثبات الحرارى، وبناءاً عليه، فإن فارقاً كبيراً يمكن أن يشير إلى إنطلاق كمية أكبر من الكربون، فى حين أن نقص أحد العنصرين يعنى فى حقيقة الأمر أن ثانى أكسيد الكربون ينطلق بمعدل أقل كثيراً.
الدليل الجيولوجى من الموقع الجديد لم يكشف عن تأخير، كما يقول التقرير الجديد، وهذا يعنى أن كاتبى التقرير يقدرون أن الكمية الهائلة من الكربون التى دخلت الأتموسفير خلال "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين" – تتراوح بين 2000 إلى 4500 بليون طن – وظل هذا لمدة 4000 سنة، بينما بليون طن من الكربون فقط كانت تنبعث كل عام، وفى المقابل فإن الإنبعاثات الحالية تُقدر بنحو 10 بليون طن سنوياً – وهذا يؤدى إلى تغيير كوكب الأرض بوتيرة أسرع كثيراً.
الإنبعاثات التى يتسبب عنها الإنسان الآن تفوق إنبعاث الكربون خلال أكثر أحداث الإحترار التى شهدها الكوكب فى ال 66 مليون سنة الماضية بما لا يقل عن العشرة أضعاف" هكذا كتب بيتر ستاسين فى التعليق المٌرفق بالدراسة الجديدة، ووهذا العالم متخصص فى الأرض والبيئة فى كو ليفين فى بيلجيكا،
التماثل بين "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين" والزمن الحاضر، ليس تماثلاً تاماً وعصرنا يمكن أن يكون أسوأ من عدة وجوة.
"الإستنتاجان الرئيسيين هما أن حموضة المحيط ستكون أكثر حدة، والنظام الإيكولوجى ربما يُصاب بقوة بسبب معدل إنطلاق الكربون" هكذا قال زيب.
وليس الأمر مجرد أننا بدأنا نرى التغيرات التى نتجت عن الإحترار الحالى، بل لأن هناك تغيرات أخرى تتم لا يوجد لها أى شبه فى الماضى، بسبب المعدل الحالى فى التغير.
"نظراً إلى أن المعدل الحالى لإنبعاث الكربون غير مسبوق خلال السجل المناخى للأرض، فقد دخلنا فى مرحلة لا مثيل لها، والتى تُمثل تحدياً أساسياً فى مستقبل المناخ" هذا ما خلصت إليه الدراسة.