ليس القطب الجنوبى فقط – لماذا يُمكن أن تذوب جرين لاند أسرع مما نتوقع.

ترجمة:- ممدوح شلبى
الأربعاء الماضى ظهرت دراسة جديدة مثيرة فى "جورنال ناتشر" غيرت فهمنا للقوى المؤثرة فى ذوبان الجليد فى القطب الجنوبى والتوقعات المتزايدة الملحوظة فيما يتعلق بمستقبل الغطاء الجليدى وعلاقته بزيادة منسوب البحر، لكن الخبر لا ينتهى عند هذا الحد.
يقول بعض العلماء أن التنبؤات الحالية المتعلقة بجرين لاند – الأكثر حرارة حتى من القطب الجنوبى – يمكن أن تكون متحفظة جداً، بما يعنى أننا ربما نرى إرتفاعاً لمنسوب البحر بصورة أسرع مما نظن.
حتى الآن، فإن التنبؤات المقبولة بخصوص إرتفاع البحر فى المستقبل والتى قُدمت من خلال "لجنة الحكومة العالمية فى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة" والتى تعود إلى عام 2013، هذا التقرير يخلص إلى أن مساهمة ذوبان القطب الجنوبى فى إرتفاع منسوب ماء البحر بحلول نهاية هذا القرن سيكون فى معدل ما بين 4 إلى 5 سنتيمترات، بدون الأخذ فى الإعتبار التلاشى لقطاعات معينة من أغطية ثلجية بحرية أخرى – وفى هذه الحالة فإن إرتفاع منسوب البحر من المتوقع أن يكون أجزاءاً عشرية من المتر. 
وفى المقابل، فإن الدراسة الجديدة "لجورنال ناتشر" والتى أعتمدت على برامج حاسوبية متقدمة وفهم متطور للعمليات التى سببت إرتفاع منسوب ماء البحر فى أزمنة جيولوجية سابقة، خلصت إلى أن إرتفاع منسوب ماء البحر بسبب ذوبان القطب الجنوبى فقط يمكن أن يتجاوز المتر بحلول عام 2100 بسبب الإنبعاثات الغازية الكربونية.
والآن، وطبقاً لبعض العلماء، فإن توقعات "لجنة الحكومة العالمية فى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة"بالنسبة لجرين لاند – والتى يمكن أن تتسبب وحدها فى حالة ذوبانها إلى رفع منسوب ماء البحر 6 أمتار – من الممكن أن تكون مُتحفظة جداً أيضاً.
خلص تقرير الأمم المتحدة الذى كان فى عام 2013 إلى أن مساهمة ذوبان منطقة جرين لاند فى رفع منسوب ماء البحر سيكون فى حدود 12 سنتيميتر خلال نهاية القرن الحالى ( كمتوسط توقعات تتراوح بين 7 إلى 22 سم) بسبب الصناعة أو سيناريو الإنبعاثات الغازية المسببة للإحترار المناخى.
وطبقاً لأكثر السيناريوهات المعتدلة -عندما تتخذ الحكومات إجراءات مؤثرة للسيطرة على إنبعاث الكربون-  فأن أكثر التوقعات إعتدالاً تذهب إلى أن إرتفاع منسوب ماء البحر سيكون بين 4 إلى 13 سم.
وحالياً تُشير البيانات التى قدمتها ناسا أن جرين لاند تفقد حوالى 287 بليون طن مترى من الجليد كل عام – وهى كمية مهولة وقريبة من كمية 360 بليون التى تلزم لرفع منسوب ماء البحر ملليمتر سنوياً، ولكن ما هو أقل تأكيداً ومازال يحتاج إلى دراسات، هو كم معدل هذا الذوبان سوف يتزايد فى المستقبل بينما تتواصل التغيرات المناخية – وكم عدد العلماء سنحتاجهم لتحديد التوقعات فيما يتعلق بمستقبل فقدان الجليد فى هذه المنطقة.
لذلك نحن راجعنا الأمر مع عدد قليل من الخبراء لمعرفة ما يعتقده المجتمع العلمى عما إذا كانت تلك التوقعات ستظل ثابتة بدون تغيير.
وطبقاً للبعض منهم، فإن الأسباب المؤثرة فى ذوبان جليد القطب الجنوبى ربما لن تكون واضحة فى جرين لاند. فأحد أهم مظاهر القطب الجنوبى الواضحة – وخاصة الغطاء الجليدى فى غرب القطب الجنوبى المعروفة بأنها اكثر المناطق الغير ثابتة حتى الآن – أن الكثير من غطاءه الجليدى يقع تحت مستوى سطح البحر.
هذه "الجليد بلا يابسة" يمكن أن يكون غير مُستقراً أكثر من ذلك الذى يكون فوق منسوب البحر لعديد من الأسباب. التفاعل مع إحترار ماء المحيط يمكن أن يُسبب تزايد ذوبان الجليد ويمكن أيضاً أن يُقلقل الجليد من أسفل لأعلى جاعلاً إياه أكثر عُرضه للإنكسار إلى قطع أصغر أو التلاشى. وبينما الأنهار الجليدية تفقد الثلوج وتتراجع إلى مناطق أكثر عمقاً فى الماء، فإن ما تبقى من هذا الجليد يكون أكثر عُرضه للذوبات بوتيرة أسرع.
" نحن نعرف أن هذه الأشياء يمكن أن تكون غير مستقرة، لكن القضية هى كيف يمكن أن تتفتت بوتيرة مُتسارعة" هكذا قال مارتن تروفر عبر البريد الإلكترونى، وهو أستاذ فيزياء وخبير فى الجليد فى جامعة ألاسكا فيبربانكس، وفى بريد إلكترونى آخر من إيان جوخين الخبير فى الجليد فى جامعة واشنطن، قال "البحث الجديد المنشور فى "جورنال ناتشر" كان جيداً ومُصيباً عندما توقع أن تكون عملية الذوبان أسرع كثيراً وبشكل ملحوظ من التقديرات السابقة، ومنطقة جرين لاند ليست غطاءاً جليدياً بحرياً ( معظم جرين لاند تقع فوق مستوى البحر) ولذلك فهى لا تخضع لنفس الحالة من عدم الإستقرار"
وأعاد تأكيده على حقيقة أنه وبينما يتراجع الأنهار الجليدية فى المياه العميقة، فإنها تميل إلى التدفق بصورة أسرع، ما يعنى أن ذوبان جليدها سيكون أسرع.
الفهم الأفضل لهذا السلوك فى الانهار الجليدية ينعكس فى البحث العلمى الجديد المنشور فى "جورنال ناتشر" الذى يتناول تحديثاً فى التنبؤات بخصوص أسباب زيادة مستوى ماء البحر، لكن ولأن الكثير من الغطاء الجليدى لمنطقة جرين لاند تقع فوق مستوى ماء البحر، فهذا العنصر ربما لا يكون شديد الأهمية هناك، ولذلك فثمة عدم يقين حول جرين لاند – رغم " إمكانية حدوث مفاجآت" كما قال جوخن.
ولكن هناك مخاوف من أن بعض مناطق جرين لاند تتعرض لعمليات مُشابهة لتلك التى تؤثر فى ذوبان جليد القطب الجنوبى، هكذا قال إيريك رينوت، وهو من كبار علماء مختبر الدفع النفاث فى وكالة ناسا وأستاذ فى علم الجليد فى جامعة كاليفورنيا إيرفين.
ورغم أن الكثير من الغطاء الجليدى يقع فوق مستوى سطح البحر، فهناك بعض الأنهار الجليدية والتى تكون بمثابة مسارات تتدفق من الغطاء الجليدى الذى ينتشر فى مساحة واسعة ومعظمه فى اليابسة، وهذه المنطقة تفقد حالياً كميات هائلة من الجليد الذى يذوب فى ماء المحيط وربما يتواصل هذا الذوبان على هذا النحو بمعدلات أسرع.
"الأمر إمتداد طبيعي للدراسة المؤخرة الخاصة بالقطب الجنوبى حتى نفهم كيف أن تسارع إنكسار الجبال الجليدية يمكن أن يؤثر على توازن كتلة جليد جرين لاند" هكذا قال إيريك رينوت عبر البريد الإلكترونى.
" نحن نعرف أنه فى حالة منطقة "جاكوبشافن إيسبراى" فهى فى الواقع خاضعة لآلية خاصة فى مسالة تراجع الجليد. ولهذا فالأمر مُتشابه تماماً والدراسة الجديدة تجعلنا نتناول منطقة ذوبان منطقة جرين لاند بمزيد من الجدية"
جليد "جاكوبشافن" يرتكز على عمق كيلو متر تحت سطح البحر، وهى جزء واحد من اجزاء جرين لاند التى تسترعى إهتمام العلماء، كما انه من المعتقد أنها أسرع الكتل الثلجية التى تتدفق منها الأنهار الجليدية، البحث السابق أشارإلى أن "جاكوبشافن" يفقد نحو 35 بليون طن مترى من الثلج سنوياً، علماً بأن "جاكوبشافن" هى مجرد جزء واحد فقط من 200 نهر جليدى تتدفق من كتلة جرين لاند، ومعظم هذه الأجزاء التى تذوب فى المحيط غير معروفة حتى الآن.
وكما فى بقية الغطاء الجليدى، يقول علماء آخرون أنه حتى المناطق الموجودة فوق مستوى البحر فإنها تخضع لمؤثرات مختلفة ولها نفس القدر من الأهمية، إنهم يقولون أن هناك عمليات أخرى تؤثر على الجليد فى جرين لاند غير تلك العوامل الموجودة فى القطب الجنوبى، فهذا يحدث فى مساحات هائلة لأن جرين لاند تشهد درجات حرارة أعلى- وهذه العوامل ستُساهم بشكل ملحوظ فى الإسراع بالذوبان للغطاء الجليدى لجرين لاند فى المستقبل القريب. 
وأوضح الباحث ماركو تيدوسو – من مرصد لامونت دورتى للأرض بجامعة كولومبيا -، أن عملية تُسمى "إسوداد الجليد" تُعتبر واحدة من العمليات الهامة فى جرين لاند، تيدوسو كان الباحث الذى ترأس دراسة حديثة تركزت على هذا المؤثر فى شمال جرين لاند.
الفكرة هى أنه وبينما يحتر المناخ ويتواصل الجليد فى الذوبان، فإنه يبدأ فى فقد قدرته على عكس الإشعاع الشمسى بعيداً عن السطح، والإنعكاس الشمسى الذى لا ينعكس يتم إمتصاصه بدلاً من ذلك مُسبباً إحتراراً للغطاء الجليدى وذوبانه بصورة أسرع – فى عملية مُفرغة.
الذوبان الأكثر يخلق إسوداداً أكثر وتسارعاً أكثر فى عملية الذوبان نفسها" هكذا قال تيديسو. كما أشار أيضاً أن بعض أجزاء جرين لاند حيث يعاد إمتصاص الماء الذائب بنسبة قليلة فى الغطاء الجليدى أكثر مما كان يحدث فى الماضى.
الدراسة التى نُشرت فى يناير فى "جورنال ناتشر كلايمت تشانج" يتصدرها هذا الموضوع، وتركز على قطاع من الغطاء الجليدى معروف تحت إسم "فيرن" – وهو عبارة عن طبقة مسامية من الثلج قادرة على محاصرة المياه الذائبة عندما تتدفق على السطح وتساعده على التجمد.
المشكلة هى انه وبينما إحترار جرين لاند يؤدى إلى ذوبان جليد أكثر بسرعة، فهذه المساحات المسامية تبدأ فى الإمتلاء بماء مُتجمد، ما يعنى أن هناك حيزاً قليلاً للماء المُذاب ليثبت فيه، ولذلك فالمياه الذائبة الزائدة ليس لها مكان تذهب إليه إلا الجريان على أسطح الجليد فى إتجاه المحيط، حيث تُصبح أيضاً عاملاً آخر مساهم فى زيادة منسوب البحر.
فى رسالة إليكترونية إلى صحيفة واشنطون بوست، أكد جاسون بوكس من الهيئة الجيولوجية فى الدنمارك وجرين لاند، أن العديد من هذه العمليات المستمرة فى جرين لاند لم تكن موجودة فى النماذج السابقة – مايعنى أن التنبؤات السابقة متواضعة جداً.
وأشار إلى أن "العديد من الأمور ذات الحساسية لم يتم تضمينها فى النماذج السابقة التى تتنبأ بإرتفاع منسوب ماء البحر من ذوبان جليد اليابسة"، وأضاف "بعض هذه الأمور الحساسة هى ردود الفعل بمعنى أن المناخ الأكثر حرارة الذى يحدث، فيجعل الجليد سيزول بوتيرة أسرع بكثير".
والمشكلة التى تظل قائمة هى الكمية الهائلة التى نتوقع أن يُساهم بها ذوبان جليد جرين لاند – ولازال هذا السؤال بلا إجابة.
لكن العلماء يبدون كما لو أنهم متفقين على أن كل من المحيط الجنوبى وجرين لاند يحتويان على مفاجآت مازلت فى علم الغيب، وسوف يظل من الأفضل أن نفهم العمليات الفيزيائية التى تؤثر على الجليد.
" كل من القطب الجنوبى وجرين لاند هما العاملان الرئيسيان فى زيادة منسوب البحر" هكذا قال تيديسو، "وأن المساهمة من كل منهما لم يتم تقديرها فى التنبؤات البحثية السابقة.