نموذج حاسوبى للمناخ يتنبأ بذوبان متسارع للكتلة الجليدية فى غرب القطب الجنوبى

ترجمة: ممدوح شلبى
على مدى نصف قرن، وعلماء المناخ ينظرون إلى المنطقة الثلجية فى غرب القطب الجنوبى كسيف مُسلط على الحضارة الإنسانية.
هذه المنطقة الثلجية التى تتعدى مساحة دولة المكسيك، من المُعتقد انها تتلاشى بصورة بطيئة بسبب الإحترار المناخى العالمى، وفى حال ذوبانها فإن منسوب البحار سيرتفع 12 قدماً أو أكثر، لكن تقديرات الباحثين السابقة أفادت بأن ذوبان هذه المنطقة سيستغرق مئات او آلاف السنين.
لكن آخر الأبحاث تُشير إلى أن السيناريو الكارثى قد يحدث بوتيرة أسرع من ذلك بكثير.
فإستمرار إنبعاث الغازات التى تجعل كوكب الأرض مثل صوبة تحتبس الحرارة، سيسرع من تلاشى المنطقة الثلجية فى غضون عشرات السنين فقط، وطبقاً لدراسة نُشرت الأربعاء الماضى، فإن مياة المحيطات سترتفع ثلاثة أقدام فى نهاية هذا القرن.
ومع إضافة الذوبان الذى سيشمل مناطق ثلجية أخرى أيضاً، فإن إجمالى الزيادة فى منسوب المحيطات – طبقاً للباحثين - سيكون بين 5 إلى 6 أقدام فى عام 2100، هذه الزيادة ضعف ما قدرته دراسة سابقة لهيئة تعمل لحساب الأمم المتحدة ونُشرت منذ ثلاثة سنوات، وبناءاً عليه فسوف تُثار أزمة حادة سيشهدها الأطفال الذين يولدون الآن.
وقد يسوء الوضع أكثر بعد عام 2100- طبقاً للباحثين- حيث سترتفع مياه المحيطات بحلول منتصف القرن القادم  بمعدل قدم كل عقد.
سجل العلماء هذا المعدل فى زيادة منسوب المحيطات فى عصور جيولوجية قديمة عندما تلاشت مناطق ثلجية أكبر، لكن معظم العلماء يعتقدون أنه من المستحيل أن تصل مياه المحيطات إلى هذا المستوى من الإرتفاع نظراً لأن المناطق الثلجية الحالية أصغر.
"نحن لا نقول أن هذا سيحدث بصورة مؤكدة" هكذا قال ديفيد بولارد، وهو باحث فى جامعة بنسلفانيا ستات، وكاتب مُشارك للبحث الجديد. "لكننى أعتقد أننا نُشير إلى وجود خطر وأنه قد يُثير الكثير من الإهتمام".
أكبر الآثار التى ستترتب على ذلك، هو غرق السواحل فى الكرة الأرضية بما فى ذلك العديد من أهم المدن العالمية.
مدينة نيويورك والتى يبلغ عمرها نحو 400 سنة: وطبقاً لأسوأ السيناريوهات التى يتوقعها البحث، فإن فرصتها للإستمرار 400 سنة أخرى بنفس حالتها الحالية سيبدو من المستحيل، وكذلك ميامى ونيو أورلينز ولندن وفينيسيا وشنغهاى وهونج كونج وسيدنى، فكل هذه المدن مُهددة مثل نيويورك أو أسوأ.
وبالطبع، من الممكن حماية السواحل ببناء دفاعات ضد إرتفاع مياه المحيطات أمام المدن المُنخفضة، لكن الخبراء يعتقدون أنه سيكون من المستحيل بناء هذه الدفاعات على طول 95000 ميلاً فى السواحل الأمريكية، وهذا يعنى أن غالبية المناطق سوف تُترك لمنسوب المياه المتزايدة.
الدراسة الجديدة والتى نُشرت فى "جونال ناتشر" تعتمد على تطوير نموذج حاسوبى للقارة الجنوبية وطبوغرافيتها المُركبة من الصخور والجليد، بهدف الإحاطة بالعوامل المعروفة مؤخراً كمخاطر تتهدد إستقرار الكتلة الثلجية.
النسخة الجديدة من النموذج الحاسوبى تسمح للعلماء – ولأول مرة – أن يعيدوا خلق مستويات عالية من ماء المحيطات حدثت فى الماضى، مثل الفترة المناخية التى شهدتها الكرة الأرضية منذ 125000 عام عندما أرتفع مستوى المحيطات إلى ما بين 20 و 30 قدماً أعلى من المنسوب الحالى.
وهذا منح العلماء ثقة أكبر فى قدرة النموذج الحاسوبى على تحديد مستوى الإرتفاع فى المستقبل، على الرغم من أنهم يقرون بأنهم لم تتوفر لهم إجابة حتى الآن من النموذج الحاسوبى يمكن تسميتها إجابة قاطعة.
"يمكنك أن تفكر فى كل أنواع الأساليب التى يمكننا أن نعملها مع هذا النموذج"، هكذا قال ريتشارد .بى. ألى – وهو خبير كبير فى الجليد القطبى فى جامعة بينسلفانيا ستيت، "أنا أأمل حدوث هذا، ولكن وإعتماداً على ما توصلنا إليه حتى الآن، فأنا لا أعتقد أننا يمكننا أن نُخبر الناس أننا واثقين كل الثقة"
الدكتور ألى ليس أحد كتاب البحث الجديد، رغم أن هذا البحث يعتمد جزئياً على أفكاره بخصوص الحالة المُستقرة للجليد القطبى.
عدد كبير آخر من العلماء الذين لم يشاركوا فى هذا البحث وصفوه بأنه هام، وبعض منهم وصفوه بحجر الزاوية.
لكن نفس هؤلاء العلماء أكدوا على أن البحث مجرد ورقه واحدة، وليس من المُستحب أن يكون هذا البحث هو الكلمة الأخيرة فى مصير غرب القطب الجنوبى لكوكب الأرض.
الجهود لتضمين العوامل المُستجدة التى تُسبب ذوبان الجليد مازالت فى مراحلها الأولى، فالأمر يحتاج سنوات من العمل لتحسين النموذج الحاسوبى.
بيتر . يو. كلارك - من جامعة أوريجون ستات – وفى آخر مجهوداته - ساعد بترأسه لفريق عمل يتبع الأمم المتحدة فى تقدير المخاطر من إرتفاع منسوب مياه المحيطات، إنه أيضاً لم يُشارك فى البحث الجديد، وقد أكد أن هذا البحث - مثله مثل الأبحاث السابقة – يؤكد على الضرورة المُلحة للسيطرة على إنبعاثات ثانى أكسيد الكربون والغازات الأخرى المُسببة للإحتباس الحرارى.
الفريق العلمى الذى قاده هذا العالم هو الذى قام بتقدير الحد الاعلى لزيادة منسوب المحيطات بنجو 3 أقدام فى القرن الحالى، ونبه بشكل خاص إلى أن الفهم الأفضل لتناقص جليد القطب الجنوبى يمكن ان يغير من هذه التقديرات.
البحث الجديد كتبه عالمان كانا فى طليعة الباحثين فى نماذج المناطق الجليدية لسنوات، إنهما روبرت . إم . ديكونتو – من جامعة ماساتشوتس أمهرست – والثانى هو الدكتور بولارد – الذى كان زميلاً للدكتور ألى فى جامعة بينسلفانيا ستات.
فى حوار مطول أجرى يوم الإثنين الماضى مع الدكتور ديكونتو، تحدث عن سنوات الإحباط، وأن البرنامج الحاسوبى الذى بناه بمشاركه زميله الدكتور بولارد، كشف لهما نجاحاً متزايداً فى قدرت هذا البرنامج على تفسير سلوك الكتل الجليدية، لكن هذا البرنامج صادفته الصعوبة فى تحليل الماضى الجيولوجى.
فإذا لم تكن درجات الحرارة فى الكرة الأرضية عالية إلى مستويات غير طبيعية، فإن النموذج الحاسوبى يتوجب عليه أن يُذيب ثلوجاً أكثر لإعادة إنتاج مستويات الماء المرتفعة التى من المعروف أنها حدثت فى فترات مناخية سابقة عندما كان الجو والمحيطات أكثر إحتراراً.
"نحن نعرف أن شيئاً ما مفقوداً فى معلوماتنا" هكذا قال دكتور ديكونتو.
الفكرة الجديدة جاءت من الدكتور ألى، الذى حث زملاءه أن يأخذوا بعين الإعتبار ما قد يحدث بوصفه هجوم مناخ إحترارى كبير على كُتل ثلجية طافية والتى كانت تساعد فى حماية ودعم الكتلة الجليدية لغرب القطب الجنوبى.
فثمة كُتل أصغر حجماً بدات بالفعل فى الذوبان، وشهد عام 2002 أكبر هذه الحالات، عندما أنقسمت كتلة ثلجية – إسمها لارسن بى - بحجم جزيرة رود فى غضون أسبوعين.
الكتلة الثلجية لغرب القطب الجنوبى تقع فى بركة عميقة تمتد تحت سطح البحر، وإذا فقدت دعائمها لحماية الثلج الطافى، فالنتيجة هى تشكيل كُتل منفردة كثيرة من الثلج تواجه البحر، هذه التشكيلات ستصبح أقل ثباتاً فى أماكنها، هكذا قال الدكتور ألى فى حوار معه، وأن إحترار طبقة الأتموسفير سيشجع على ذوبان أسطح هذه الكتل فى الصيف وهذا قد يُضعفها أكثر.
ونتيجة لذلك – طبقاً لرؤية دكتور ألى المتشائمة – قد يحدث تناقص متسارع حيث تختفى الكتل الثلجية فى المياه.
شيئ من هذا القبيل يبدو أنه حدث فى مناطق جليدية متعددة، بما فى ذلك منطقتين على الأقل فى جرين لاند، لكن الذوبان  حدث بمعدل أقل مما قد يحدث فى غرب القطب الجنوبى.
عندما قام الدكتور ديكونتو والدكتور ألى بتزويد البرنامج الحاسوبى بالتقديرات الخاصة بعدم ثبات الكتل الجليدية التى طورها الدكتور جى . إن . باسيس والدكتور سى . سى واكر، جاءت النتيجة صاعقة.
الخطوة التالية كانت أن يسألا البرنامج الحاسوبى عما يمكن ان يحدث إذا إستمر المجتمع الإنسانى فى التسبب فى إحترار الكوكب بإحراق كميات هائلة من الغازات المُسببة للإحترار المناخى فى طبقة الأتموسفير.
والإجابة التى حصل عليها العالمان مشروحة فى ورقتهما البحثية بلغة علمية بحتة، لكنها من الممكن أن تُرى بوصفها حبكة من حبكات أفلام الكوارث، فقد إكتشفوا أن غرب القطب الجنوبى سيبدأ فى الزوال بحلول عام 2050.
أجزاء ضعيفة من الكتلة الثلجية لشرق القطب الجنوبى والتى تتميز بانها الأكثر إرتفاعاً والأكثر برودة، قد تتكسر أيضاً، والنتيجة أنه بحلول عام 2500 سيرتفع منسوب المحيطات 43 قدماً بسبب ذوبان القطب الجنوبى فقط، بينما ثلوج ذائبة أكثر ستأتى من مناطق جليدية أخرى، وطبقاً لتقديرات البرنامج الحاسوبى، فإن الخط الساحلى فى بعض المناطق سيتراجع أميال فى اليابسة.
هذه الدراسة التى نُشرت يوم الأربعاء تحتوى على أخبار سارة، فالإجراءات الحاسمة لتقليل الإنبعاثات الغازية المُسببة للإحترار المناخى يمكن أن تمنح فرصة جيدة لحماية ثلوج غرب القطب الجنوبى من الإختفاء ، طبقاً لما إكتشفه العالمان.
وهذا يتعارض مع دراسات معاصرة أخرى تعتبر أن الذوبان التدريجى لثلوج غرب القطب الجنوبى أمر محتوم ولا يمكن إيقافه.
لكن الإتفاقية المناخية الأخيرة فى باريس لا تُخفض الإنبعاثات الغازية بكمية كافية لإنجاز هذا الهدف، هذه الإتفاقية سيوقعها قادة العالم فى شهر أبريل الحالى فى مبنى الامم المتحدة بنيويورك والذى يطل مباشرة على محيط منسوبه يتزايد.